الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، إن الصلاة أول شيء سنحاسب عليه يوم القيامة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ٬ فان صلحت صلح العمل كله.. و إن فسدت فسد العمل كله". رواه الإمامأحمد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا:"مفتاح الجنة الصلاة" رواه الترمذي.
لذا يجب أن نجاهد أنفسنا على إتمامها على أكمل وجه، فالله سبحانه وتعالى أمرنا ليس فقط بالصلاة بل بإقامة الصلاة ومعنى ذلك أن نحسن أدائها، وأن لا نكون كالذين قال عنهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إن الرجل ليشيب في الإسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة! قيل: كيف يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها!"
*ويقول الإمام أحمد رحمه الله: يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون ٬ واني أتخوف أن يكون هو هذا الزمان!! فماذا لو أتيت إلينا يا إمام ونظرت إلى أحوالنا والى صلاتنا ٬ نحن المسلمين ٬ في القرن العشرين؟!
*ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: إن الرجل ليسجد السجدة يظن تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ٬ وو الله لو وزع ذنب هذه السجدة على أهل بلدته لهلكوا!
سئل: كيف ذلك؟ فقال: يسجد برأسه بين يدي مولاه ٬ وهو منشغل باللهو والمعاصي والشهوات وحب الدنيا.. فأي سجدة لله هذه؟!
فيا ترى هل صلواتنا مقبولة؟ أم أننا نصلي ولا نصلي في نفس الوقت؟ وكيف نخشع في صلاتنا؟
هذا ما سنطرق إليه من خلال هذا الموضوع الرائع للأستاذ عمرو خالد، وقد استفدت منه كثيرا، وأتمنى أن يفيدكم أيضا إن شاء الله.
كيف تخشع في صلاتك؟؟؟؟؟؟
هناك وسيلتان لتحقيق الخشوع في الصلاة :
الأولى:إخراج الدنيا من القلب والإقلال من الشهوة والمعاصي. وابن عطاء صاحب الحكم ٬ يقول: كيف يشرق قلب وصورة الدنيا منطبعة فيه ٬ أم كيف يرحل إلى الله وهو منكب على شهواته ٬ أم كيف يدخل على الله ولم يتطهر من نجاسة غفلاته!
أما الوسيلة الثانية: فهي أن تفهم حركات الصلاة الظاهرة.. بأن تكون لكل حركة في الصلاة أثر في قلبك..
من أسباب الخشوع في الصلاة:
أولا: توضأ وأحسن الوضوء لكي يكون تطهيرا للبدن والروح معا.. يقو ل النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا توضأ العبد فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج
من تحت أظافر يديه ٬ فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه ٬ فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من قدميه حتى تخرج من تحت أظافر قدميه"! رواه الإمام أحمد .
فتذكر هذا الحديث عند بدء الوضوء فهو أول مدخل للخشوع.
ثانيا: ستر العورة.. وعورة الرجل من الركبة إلى السرة ٬ وعورة المرأة جسمها كلها ما عدا الوجه والكفين.. ولنحرص على ستر عورا ت الظاهر والباطن أيضا وذلك بالتوبة النصوح وإخلاص النية لله تعالى.
ثالثا: التكبير.. ويجب استحضار معنى اسم الله(الكبير) وأنه لا أكبر من الله تبارك وتعالى.. ولا تكن كذابا بأن يقولها لسانك ولكن في قلبك من هو أكبر من الله ٬ أو ما هو أكبر من الله من متاع الدنيا
الفانية أو متعها الزائلة! وقد جعل التكبير هو ذكر الانتقال بين حركا ت الصلاة لاستحضار هذا المعنى؛ فلا يسهو العبد ولا يفكر في الدنيا بل يخشع لله الأكبر سبحانه وتعالى.
رابعا: رفع اليدين.. ورمي الدنيا خلف الظهر.. فعندما تخلع نعليك عليك أن تخلع معهما الدنيا وشهواتها ومشاغلها. و لا يجوز للقادر على الوقوف أن يصلي جالسا وإلا بطلت الصلاة لأن الله تعالى يقول: ( وقوموا لله قانتين)البقر ة 238.
ولا يجب رفع العينين ٬ بل النظر يكون موضع السجود والرأس مطأطأ لله الواحد القهار. ولاحظ أن وقفة يوم القيامة هي هي وقفة الصلاة. يقول تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين) المطففين 6.
الرأس محنية والنظر محل السجود ٬ ثم تضع يدك اليمنى على اليسرى.. وهذا من دواعي الخشوع والأدب مع الله تبارك وتعالى .
واعلم أن الله ينظر إلى صلاتك.. وتخيل أنك في عمل من أعمال الدنيا وصاحب العمل ينظر إليك أو أنك بين يدي ملك طلب منك عملا ثم وقف ليراقبك.. فكيف ستؤدي هذا العمل؟!
بعد ذلك اقرأ الفاتحة ٬ أم الكتاب ٬ بخشوع وتدبر ٬ واستمع إلى الحديث القدسي الجليل الذي يقول فيه رب العزة جل وعلا: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ٬ فإذا قال العبد: الحمد لله
رب العالمين ٬ قال الله:" حمدني عبدي" ٬ فإذا قال: الرحمان الرحيم} قال الله:" أثنى علي عبدي" فإذا قال العبد: مالك يوم الدين قال الله:" مجدني عبدي".. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين} قال الله:" هذا بيني وبين عبدي" فإذا قال العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم
ولا الضالين. قال الله:" هذا بيني و بين عبدي ولعبدي ما سأل "! ! رواه مسلم 876 والترمذي 2953
فتخيل يا أخي.. الله يجيبك ويرد عليك ويقضي حاجتك.. و الله لولا الشهوات والمعاصي لطارت قلوبنا من شدة الفرحة بكلام الله لنا.
و انتبه: عندما تقرأ الآيات اقرأها بتدبر وحضور قلب وعقل ٬ فإذا قلت: الحمد لله رب العالمين.. فاستشعر نعم الله عليك وهي كثيرة لا تحصى ولا تعد ٬ وتذكر أنك تناجي ربك الذي خلقك ورزقك وأحياك ثم
يميتك ثم يحييك.. فإذا قلت: الرحمان الرحيم فاستشعر سعة رحمة الله بعباده في الدنيا والآخرة ٬ وكيف أنه أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها.. فإذا قلت: مالك يوم الدين فاستحضر في ذهنك يوم الحساب.. يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.. و هكذا في سائر الآيات والسور ٬ واعلم أنك عندما تقرأ الفاتحة تكون واحدا من ثلاثة:
رجل يحرك لسانه وقلبه غافل ٬ وتلك منزلة الظالم لنفسه. رجل يحرك لسانه وقلبه حاضر. وتلك منزلة المقتصد. رجل يحس قلبه أولا بالمعاني ثم يترجم اللسان هذه المعاني ٬وهذه منزلة السابق بالخيرات بإذن الله جل وعلا.. ولكن كيف يتحقق معنى حضور القلب قبل قراءة اللسان؟!
يتحقق ذلك بعدة أمور:
أولا: حفظ القرآن الكريم أو أقصى قدر ممكن منه.
ثانيا: فهم ما تحفظه.
ثالثا: تصفية القلب من المعاصي والتوبة النصوح لله رب العالمين.
*وعندما تقرأ قل في نفسك: اللهم لك الحمد أن وفقتني لهذا المقام.. فلولاك ما حنيت ظهري أبدا.. وو الله ما ظهري لأحد غيرك. .
واحرص أخي على أن ينحني القلب مع الظهر فيكتمل خشوع الظاهر والباطن.. وقل: سبحان ربي العظيم".. ومعناها تنزيه الله عن كل نقص.. ووصفه سبحانه بكل كمال؛ فهو سبحانه العظيم حقا ٬ له
العظمة والجبروت والملك والملكوت..وعندما تسجد. فتذكر أن التراب يسجد على التراب وليس في هذ ا
غرابة ٬ فالفرع انما يرد إلى الأصل.. وسبح ربك كثيرا حتى يستقر المعنى في القلب والوجدان قبل أن يعبر عنه اللسان.. واعلم أ ن العبد أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد.. فاحذر أن تكون قريبا ببدن ك
فحسب.. ولكن قلبك بعيد.. هناك في الدنيا ومشاغلها..واحرص على كثرة الدعاء في السجود.. فان ذلك أدعى للإجابة.
ولما كانت السجدة الواحدة لا تطفئ لظى الشوق ونار الحب والاتصال بالله والتسبيح في ملكوت الله
.. فلا بد من سجدة أخرى تروي عطش الظامئ وتنزل على القلب الركع العابد بردا وسلاما. .
ولو قضى العبد حياته كلها ساجدا لله ما وفاه حق شكره.. كما تفعل الملائكة.. ولكن الله بعباده رحيم يقبل العمل القليل ويجزي عليه بالأجر الكثير.. فإذا ما فعلت ذلك في أول ركعة ثم فات بالركعة الثانية وافعل فيها كما فعلت في الأولى ٬ واعلم أنه لا بد أن يزيد الخشوع وحضور القلب.. وتذكر قول القائل: من لم يكن في زياد ة فهو في نقصان!! فإذا أتممت الركعة الثانية اجلس واقرأ التشهد "التحيات لله" ٬ واستشعر عظمة الله وأنت أيها الضعيف الفقير تحي ربك القوي الغني.. فهل يصح أنت تحيه بلسانك وقلبك عنه
منصرف؟! وكلمة " التحيات" كلمة جامعة للتحيات كلها وفيها توقير وتعظيم و إجلال لله رب العالمين ثم قل" والصلوات الطيبات" فهذا كله لك يا رب فكل طيب لك ومنك.. وصلاتي هذه لك ودعواتي وكل أعمالي كذلك( قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت) الأنعام163- 162
ثم سلم على خير الأنام صلى الله عليه وسلم " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وتذكر أنه صلى الله عليه وسلم يرد عليك السلام كما أخبر هو في الحديث. هل حييت ربك وسلمت على نبيك؟! حينئذ ترتفع قيمتك ويعلو قدرك ويصير حر يا بك أن تسلم على نفسك وعلى إخوانك من عباد الله الصالحين (من الإنس والجن والملائكة وغيرهم من كل ما يعبد ا لله تعالى) ثم ارفع إصبعك وقل:" أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أ ن محمدا عبده ورسوله". وأسألك: هل رأيت أدلة وحدانية الله؟ هل ينفع أن تذهب إلى المحكمة فتشهد وأنت لم تر؟ فكيف تشهد أن لا اله إلا الله وأنت لم تره ؟ والإجابة أنك رأيت آيات وحدانيته سبحانه ٬
فأنت متأكد كأنك رأيت ٬ بل وربما أقوى.. وأنت تذكر دائما قول القائل :وفي كل شيء له آية.. تدل على أنه الواحد. ثم ترفع أصبعك لأن الشهادة تحتاج إلى اثنين وأنت تشهد بلسانك وقلبك معا. ثم تذكر نبيك المصطفى فتصلي عليه وعلى أبيه وأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام ٬ واستحضر حينئذ انتمائك لسيدنا إبراهيم وأنه هو سمانا المسلمين.. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم امتداد لسيدنا إبراهيم عليه السلام.. فأنت جذورك عميقة وضاربة في التاريخ. فإذا ما فرغت من التشهد ادع بما ورد في الأحاديث الصحيحة من أدعية جامعة مباركة ٬ واستعذ بالله من أربع كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم:" من عذاب جهنم وعذا ب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال" رواه مسلم 1324 وأبو داود983.
فإذا ما فرغت سلم عن يمينك وتذكر ملك اليمين الذي يكتب الحسنات.. ثم سلم عن شمالك وتذكر ملك
السيئات.. وكيف أن أعمالك كلها مسجلة عند الله تعالى.. ولهذ ا يقول الكفار المجرمون يوم القيامة: (مال هذا الكتاب لا يغادر صغير ة ولا كبيرة الا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)
. الكهف 49
وصل صلاة مودع للدنيا ٬ مفارق لها ٬ خائف لما ينتظره من حساب بين يدي الله رب العالمين ٬ غير مطمئن الى قبول صلاتك ٬ بل تشعر أنك أذنبت لعدم حضور قلبك وعقلك ٬ ولذا بمجرد أن تسلم تستغفر
الله على تقصيرك قائلا: استغفر الله ثلاث مرات ٬ ثم قل: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم 1334 وأبو داود 1512 ...
ولماذا هذا الثناء بالذات؟ لأنه الدعاء الذي ستقوله عندما ترى الله تعالى في الجنة عندما يكشف الحجاب عن الله تبارك وتعالى يناديك فيمن ينادي:" يا أهل الجنة.. سلام عليكم ٬فيقولون: اللهم أنت السلام ومنك السلام ٬ تباركت يا ذا الجلال و الإكرام"..
ثم اسأل الله تعالى أن يوفقك إلى طاعته كما يحب ويرضى.. فهو وحده الموفق لما فيه الخير والصلاح والهدى والرشاد فقل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ٬ رواه الإمام أحمد245.
ولم يقل عبادتك فحسب ٬ بل قال حسن عبادتك ٬ حتى تستمتع بالصلاة ومناجاة الله تبارك وتعالى.. واعلم أن الذكر والشكر وحسن العبادة هي عوامل و أسباب لسعادة.. لا في الدنيا فقط.. ولا
في الآخرة فحسب ٬ بل في كليهما. ثم سبح الله تعالى ثلاثا وثلاثين واحمده وكبره بمثلها وقل تمام
المائة: الله أكبر كبيرا وسبحان الله العظيم وتعالى بكرة وأصيلا.. ثم ادع الله تعالى بما شئت.. فقد جاء في الحديث أن من أوقات الإجابة:" دبر الصلوات المكتوبة". ثم انصرف من صلاتك بهدوء وسكينة وكن ابق على انتظار وشوق للصلاة التالية.. إذ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:" ورجل قلبه معلق بالمساجد" رواه البخاري 660 ومسلم.439\ 2377 والترمذي 2391 والامام أحمد2.
"أسأل الله تعالى أن يحبب الصلاة إلى قلوبنا ويجعلها سببا في دخولنا للجنة إن شاء الله، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين"
للاستزادة: كتاب عبادات المؤمن (عمرو خالد)
لذا يجب أن نجاهد أنفسنا على إتمامها على أكمل وجه، فالله سبحانه وتعالى أمرنا ليس فقط بالصلاة بل بإقامة الصلاة ومعنى ذلك أن نحسن أدائها، وأن لا نكون كالذين قال عنهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إن الرجل ليشيب في الإسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة! قيل: كيف يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها!"
*ويقول الإمام أحمد رحمه الله: يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون ٬ واني أتخوف أن يكون هو هذا الزمان!! فماذا لو أتيت إلينا يا إمام ونظرت إلى أحوالنا والى صلاتنا ٬ نحن المسلمين ٬ في القرن العشرين؟!
*ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: إن الرجل ليسجد السجدة يظن تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ٬ وو الله لو وزع ذنب هذه السجدة على أهل بلدته لهلكوا!
سئل: كيف ذلك؟ فقال: يسجد برأسه بين يدي مولاه ٬ وهو منشغل باللهو والمعاصي والشهوات وحب الدنيا.. فأي سجدة لله هذه؟!
فيا ترى هل صلواتنا مقبولة؟ أم أننا نصلي ولا نصلي في نفس الوقت؟ وكيف نخشع في صلاتنا؟
هذا ما سنطرق إليه من خلال هذا الموضوع الرائع للأستاذ عمرو خالد، وقد استفدت منه كثيرا، وأتمنى أن يفيدكم أيضا إن شاء الله.
كيف تخشع في صلاتك؟؟؟؟؟؟
هناك وسيلتان لتحقيق الخشوع في الصلاة :
الأولى:إخراج الدنيا من القلب والإقلال من الشهوة والمعاصي. وابن عطاء صاحب الحكم ٬ يقول: كيف يشرق قلب وصورة الدنيا منطبعة فيه ٬ أم كيف يرحل إلى الله وهو منكب على شهواته ٬ أم كيف يدخل على الله ولم يتطهر من نجاسة غفلاته!
أما الوسيلة الثانية: فهي أن تفهم حركات الصلاة الظاهرة.. بأن تكون لكل حركة في الصلاة أثر في قلبك..
من أسباب الخشوع في الصلاة:
أولا: توضأ وأحسن الوضوء لكي يكون تطهيرا للبدن والروح معا.. يقو ل النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا توضأ العبد فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج
من تحت أظافر يديه ٬ فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه ٬ فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من قدميه حتى تخرج من تحت أظافر قدميه"! رواه الإمام أحمد .
فتذكر هذا الحديث عند بدء الوضوء فهو أول مدخل للخشوع.
ثانيا: ستر العورة.. وعورة الرجل من الركبة إلى السرة ٬ وعورة المرأة جسمها كلها ما عدا الوجه والكفين.. ولنحرص على ستر عورا ت الظاهر والباطن أيضا وذلك بالتوبة النصوح وإخلاص النية لله تعالى.
ثالثا: التكبير.. ويجب استحضار معنى اسم الله(الكبير) وأنه لا أكبر من الله تبارك وتعالى.. ولا تكن كذابا بأن يقولها لسانك ولكن في قلبك من هو أكبر من الله ٬ أو ما هو أكبر من الله من متاع الدنيا
الفانية أو متعها الزائلة! وقد جعل التكبير هو ذكر الانتقال بين حركا ت الصلاة لاستحضار هذا المعنى؛ فلا يسهو العبد ولا يفكر في الدنيا بل يخشع لله الأكبر سبحانه وتعالى.
رابعا: رفع اليدين.. ورمي الدنيا خلف الظهر.. فعندما تخلع نعليك عليك أن تخلع معهما الدنيا وشهواتها ومشاغلها. و لا يجوز للقادر على الوقوف أن يصلي جالسا وإلا بطلت الصلاة لأن الله تعالى يقول: ( وقوموا لله قانتين)البقر ة 238.
ولا يجب رفع العينين ٬ بل النظر يكون موضع السجود والرأس مطأطأ لله الواحد القهار. ولاحظ أن وقفة يوم القيامة هي هي وقفة الصلاة. يقول تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين) المطففين 6.
الرأس محنية والنظر محل السجود ٬ ثم تضع يدك اليمنى على اليسرى.. وهذا من دواعي الخشوع والأدب مع الله تبارك وتعالى .
واعلم أن الله ينظر إلى صلاتك.. وتخيل أنك في عمل من أعمال الدنيا وصاحب العمل ينظر إليك أو أنك بين يدي ملك طلب منك عملا ثم وقف ليراقبك.. فكيف ستؤدي هذا العمل؟!
بعد ذلك اقرأ الفاتحة ٬ أم الكتاب ٬ بخشوع وتدبر ٬ واستمع إلى الحديث القدسي الجليل الذي يقول فيه رب العزة جل وعلا: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ٬ فإذا قال العبد: الحمد لله
رب العالمين ٬ قال الله:" حمدني عبدي" ٬ فإذا قال: الرحمان الرحيم} قال الله:" أثنى علي عبدي" فإذا قال العبد: مالك يوم الدين قال الله:" مجدني عبدي".. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين} قال الله:" هذا بيني وبين عبدي" فإذا قال العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم
ولا الضالين. قال الله:" هذا بيني و بين عبدي ولعبدي ما سأل "! ! رواه مسلم 876 والترمذي 2953
فتخيل يا أخي.. الله يجيبك ويرد عليك ويقضي حاجتك.. و الله لولا الشهوات والمعاصي لطارت قلوبنا من شدة الفرحة بكلام الله لنا.
و انتبه: عندما تقرأ الآيات اقرأها بتدبر وحضور قلب وعقل ٬ فإذا قلت: الحمد لله رب العالمين.. فاستشعر نعم الله عليك وهي كثيرة لا تحصى ولا تعد ٬ وتذكر أنك تناجي ربك الذي خلقك ورزقك وأحياك ثم
يميتك ثم يحييك.. فإذا قلت: الرحمان الرحيم فاستشعر سعة رحمة الله بعباده في الدنيا والآخرة ٬ وكيف أنه أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها.. فإذا قلت: مالك يوم الدين فاستحضر في ذهنك يوم الحساب.. يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.. و هكذا في سائر الآيات والسور ٬ واعلم أنك عندما تقرأ الفاتحة تكون واحدا من ثلاثة:
رجل يحرك لسانه وقلبه غافل ٬ وتلك منزلة الظالم لنفسه. رجل يحرك لسانه وقلبه حاضر. وتلك منزلة المقتصد. رجل يحس قلبه أولا بالمعاني ثم يترجم اللسان هذه المعاني ٬وهذه منزلة السابق بالخيرات بإذن الله جل وعلا.. ولكن كيف يتحقق معنى حضور القلب قبل قراءة اللسان؟!
يتحقق ذلك بعدة أمور:
أولا: حفظ القرآن الكريم أو أقصى قدر ممكن منه.
ثانيا: فهم ما تحفظه.
ثالثا: تصفية القلب من المعاصي والتوبة النصوح لله رب العالمين.
*وعندما تقرأ قل في نفسك: اللهم لك الحمد أن وفقتني لهذا المقام.. فلولاك ما حنيت ظهري أبدا.. وو الله ما ظهري لأحد غيرك. .
واحرص أخي على أن ينحني القلب مع الظهر فيكتمل خشوع الظاهر والباطن.. وقل: سبحان ربي العظيم".. ومعناها تنزيه الله عن كل نقص.. ووصفه سبحانه بكل كمال؛ فهو سبحانه العظيم حقا ٬ له
العظمة والجبروت والملك والملكوت..وعندما تسجد. فتذكر أن التراب يسجد على التراب وليس في هذ ا
غرابة ٬ فالفرع انما يرد إلى الأصل.. وسبح ربك كثيرا حتى يستقر المعنى في القلب والوجدان قبل أن يعبر عنه اللسان.. واعلم أ ن العبد أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد.. فاحذر أن تكون قريبا ببدن ك
فحسب.. ولكن قلبك بعيد.. هناك في الدنيا ومشاغلها..واحرص على كثرة الدعاء في السجود.. فان ذلك أدعى للإجابة.
ولما كانت السجدة الواحدة لا تطفئ لظى الشوق ونار الحب والاتصال بالله والتسبيح في ملكوت الله
.. فلا بد من سجدة أخرى تروي عطش الظامئ وتنزل على القلب الركع العابد بردا وسلاما. .
ولو قضى العبد حياته كلها ساجدا لله ما وفاه حق شكره.. كما تفعل الملائكة.. ولكن الله بعباده رحيم يقبل العمل القليل ويجزي عليه بالأجر الكثير.. فإذا ما فعلت ذلك في أول ركعة ثم فات بالركعة الثانية وافعل فيها كما فعلت في الأولى ٬ واعلم أنه لا بد أن يزيد الخشوع وحضور القلب.. وتذكر قول القائل: من لم يكن في زياد ة فهو في نقصان!! فإذا أتممت الركعة الثانية اجلس واقرأ التشهد "التحيات لله" ٬ واستشعر عظمة الله وأنت أيها الضعيف الفقير تحي ربك القوي الغني.. فهل يصح أنت تحيه بلسانك وقلبك عنه
منصرف؟! وكلمة " التحيات" كلمة جامعة للتحيات كلها وفيها توقير وتعظيم و إجلال لله رب العالمين ثم قل" والصلوات الطيبات" فهذا كله لك يا رب فكل طيب لك ومنك.. وصلاتي هذه لك ودعواتي وكل أعمالي كذلك( قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت) الأنعام163- 162
ثم سلم على خير الأنام صلى الله عليه وسلم " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وتذكر أنه صلى الله عليه وسلم يرد عليك السلام كما أخبر هو في الحديث. هل حييت ربك وسلمت على نبيك؟! حينئذ ترتفع قيمتك ويعلو قدرك ويصير حر يا بك أن تسلم على نفسك وعلى إخوانك من عباد الله الصالحين (من الإنس والجن والملائكة وغيرهم من كل ما يعبد ا لله تعالى) ثم ارفع إصبعك وقل:" أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أ ن محمدا عبده ورسوله". وأسألك: هل رأيت أدلة وحدانية الله؟ هل ينفع أن تذهب إلى المحكمة فتشهد وأنت لم تر؟ فكيف تشهد أن لا اله إلا الله وأنت لم تره ؟ والإجابة أنك رأيت آيات وحدانيته سبحانه ٬
فأنت متأكد كأنك رأيت ٬ بل وربما أقوى.. وأنت تذكر دائما قول القائل :وفي كل شيء له آية.. تدل على أنه الواحد. ثم ترفع أصبعك لأن الشهادة تحتاج إلى اثنين وأنت تشهد بلسانك وقلبك معا. ثم تذكر نبيك المصطفى فتصلي عليه وعلى أبيه وأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام ٬ واستحضر حينئذ انتمائك لسيدنا إبراهيم وأنه هو سمانا المسلمين.. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم امتداد لسيدنا إبراهيم عليه السلام.. فأنت جذورك عميقة وضاربة في التاريخ. فإذا ما فرغت من التشهد ادع بما ورد في الأحاديث الصحيحة من أدعية جامعة مباركة ٬ واستعذ بالله من أربع كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم:" من عذاب جهنم وعذا ب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال" رواه مسلم 1324 وأبو داود983.
فإذا ما فرغت سلم عن يمينك وتذكر ملك اليمين الذي يكتب الحسنات.. ثم سلم عن شمالك وتذكر ملك
السيئات.. وكيف أن أعمالك كلها مسجلة عند الله تعالى.. ولهذ ا يقول الكفار المجرمون يوم القيامة: (مال هذا الكتاب لا يغادر صغير ة ولا كبيرة الا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)
. الكهف 49
وصل صلاة مودع للدنيا ٬ مفارق لها ٬ خائف لما ينتظره من حساب بين يدي الله رب العالمين ٬ غير مطمئن الى قبول صلاتك ٬ بل تشعر أنك أذنبت لعدم حضور قلبك وعقلك ٬ ولذا بمجرد أن تسلم تستغفر
الله على تقصيرك قائلا: استغفر الله ثلاث مرات ٬ ثم قل: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم 1334 وأبو داود 1512 ...
ولماذا هذا الثناء بالذات؟ لأنه الدعاء الذي ستقوله عندما ترى الله تعالى في الجنة عندما يكشف الحجاب عن الله تبارك وتعالى يناديك فيمن ينادي:" يا أهل الجنة.. سلام عليكم ٬فيقولون: اللهم أنت السلام ومنك السلام ٬ تباركت يا ذا الجلال و الإكرام"..
ثم اسأل الله تعالى أن يوفقك إلى طاعته كما يحب ويرضى.. فهو وحده الموفق لما فيه الخير والصلاح والهدى والرشاد فقل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ٬ رواه الإمام أحمد245.
ولم يقل عبادتك فحسب ٬ بل قال حسن عبادتك ٬ حتى تستمتع بالصلاة ومناجاة الله تبارك وتعالى.. واعلم أن الذكر والشكر وحسن العبادة هي عوامل و أسباب لسعادة.. لا في الدنيا فقط.. ولا
في الآخرة فحسب ٬ بل في كليهما. ثم سبح الله تعالى ثلاثا وثلاثين واحمده وكبره بمثلها وقل تمام
المائة: الله أكبر كبيرا وسبحان الله العظيم وتعالى بكرة وأصيلا.. ثم ادع الله تعالى بما شئت.. فقد جاء في الحديث أن من أوقات الإجابة:" دبر الصلوات المكتوبة". ثم انصرف من صلاتك بهدوء وسكينة وكن ابق على انتظار وشوق للصلاة التالية.. إذ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:" ورجل قلبه معلق بالمساجد" رواه البخاري 660 ومسلم.439\ 2377 والترمذي 2391 والامام أحمد2.
"أسأل الله تعالى أن يحبب الصلاة إلى قلوبنا ويجعلها سببا في دخولنا للجنة إن شاء الله، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين"
للاستزادة: كتاب عبادات المؤمن (عمرو خالد)