أفكار دافئة
أمسكت القلم وراحت تضربه بهدوء على طاولتها ,ظنت أن صوت الطرق هذا موسيقى, رقصت بخفة وأخذت تغني بهدوء, ثم بكت بحرقة ,مؤكد هنالك ألم في قلبها,تحركت وأغلقت كل النوافذ والستائر ,لبست فستانا أبيضا وربطت شعرها من الخلف ,وضعت ماكياجا ورديا وارتدت كعب عال .ووضعت على أصابعها خواتمها الثلاثة ,نظرت في المرآة ثم تحركت عدة خطوات حتى وصلت إلى باب المنزل ,أمسكت معصمه ثم جلست ,أسندت رأسها عليه فسمعت صوت مواء يأتي من الخارج,فتحت الباب فوجدتها ثلاثة قطط ,ذكران وأنثى ,حينها مدت يدها بهدوء وأخذت القطة ,أغلقت الباب وتركت القطان يمؤان,ذهبت إلى الحمام ,ملأت البانيو بالماء الدافئ ثم أدخلت القطة ,أخرجت الشامبو وغسلتها ثم جففتها واستشورت لها شعرها وبعد إن انتهت وضعتها على المقعد وأحضرت لها طعاما ..,أكلت القطة بسعادة غامرة ,وظلت تنظر بإعجاب إلى هذه السيدة التي تحمل في صدرها قلب طفل في السابعة بحنانها ورأفتها ,ظلت تنظر إلى هذه السيدة التي لم تغيرها عوامل سبعة وعشرين عاما ,انحنت السيدة بلطف ,حملت القطة وأخرجتها بعد أن ربطت على رقبتها شال أحمر ,نظرت القطة إلى عينيها بشفقة لكن السيدة هزت رأسها بابتسامة خفيفة....لا,لا يجب أن تخطئي ,العبي وامرحي بجنون ,اضربي على الأرض برجليك ولا تدع هذه الأرض الواسعة لذالكما القطين القذرين,فأنت جزء من الكون الشاسع ولو كنت صغيرة,ثم وقفت ونظرت إلى السماء وقالت:اجل أنا بشر , أنا النصف الآخر من الإنسانية ,وليس الرجل إلا الجزء المتبقي ..,بأي حق يطويني بشماله ليطوي بيمناه ذلول هذه الإنسانية التي خلقناها معا !أنا أيضا لدي يمنى ويسرى ,والرجولة معنى لم تكن مقتصرة يوما على الرجل وحدة,إني أجل استطيع أن أحرك هذه الدنيا بيدي كما تفعل, وإني يا أيها الرجل لأستطيع أن أطويك بإحدى أصابعي العشرة ,وإني تركت لك هذه الأرض بما عليها أيها الكئيب لأنك جاهل لا تدري كيف تعيش ,أما أنا فإن كنت بين بحر أجاج فستجعل يداي الماء عذب وسأعيش ,حتى وإن كنت بين قفر وضحل فستجعل الآمال نظراتي بذرا وعيني شمسا وتعبي مطرا وسينمو الشجر الأخضر من حولي وسأعيش,حتى وإن كنت بين ركام دمار وخراب فسأجعل أنا ماحولي جنة وسأعيش ,لذا أيها المسكين اقبل الأرض صدقة مني وعش, ثم أغلقت الباب ودخلت لكن القطة عادت تموء بقوة ,فأسرعت وحملتها ,لأنها أدركت أن القطة أيضا تفكر كما تفكر.
قلم : سماح علي الهاشمي